مختصر تفسير القرآن تدبر وعمل لسورة البقرة (38-48)
قال الله تعالى: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ * وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ * أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ﴾ [البقرة: 38 - 48].
الوقفات التدبرية:
١- ﴿ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [البقرة: 40] مُهَيِّجًا لهم بذكر أبيهم إسرائيل، وهو نبيُّ الله يعقوبُ عليه السلام، وتقديره: يا بَني العبدِ الصالح المطيع لله: كونوا مثلَ أبيكم في متابعة الحق، كما تقول: يا ابن الكريم: افعل كذا، يا ابن الشجاع: بارِز الأبطال، يا ابن العالِم: اطلب العلم، ونحو ذلك. [ابن كثير].
٢- ﴿ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ [البقرة: 41] تصديق القرآن للتوراة وغيرها، وتصديقُ محمد صلى الله عليه وسلم للأنبياء والمتقدمين - له ثلاثة معانٍ:
• أحدها: أنهم أخبَروا به؛ ثم ظهر كما قالوا؛ فتبيَّن صدقُهم في الإخبار به.
• والآخر: أنه صلى الله عليه وسلم أخبَر أنهم أنبياء، وأُنْزِلَ عليهم الكتب، فهو مصدِّق لهم؛ أي: شاهدٌ بصدقهم.
• والثالث: أنه وافَقَهم فيما في كتبهم من التوحيد، وذكر الدار الآخرة، وغير ذلك من عقائد الشرائع، فهو مصدِّق لهم؛ لاتفاقهم في الإيمان بذلك. [ابن جزي].
٣- ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ ﴾ [البقرة: 41] هذه الآية وإن كانت خاصة ببني إسرائيل، فهي تتناول من فعَل فِعلَهم؛ فمن أخذ رشوة على تغيير حقٍّ أو إبطالِه، أو امتنَع من تعليم ما وجب عليه، أو أداء ما علمه - وقد تعيَّن عليه - حتى يأخذ عليه أجرًا؛ فقد دخل في مقتضى الآية. [القرطبي].
٤- ﴿ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 42] استُدِل بالآية على أن العالم بالحق يجب عليه إظهارُه، ويحرُمُ عليه كتمانه بالشروط المعروفة لدى العلماء. [الألوسي].
٥- ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [البقرة: 44] كُلٌّ من الأمر بالمعروف وفعلِه واجب؛ لا يسقط أحدهما [بفعل] الآخر.
٦- ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45] أخبر الله -جل ثناؤه- أن الصلاة كبيرةٌ إلا على مَن هذه صفتُه. [الطبري].
٧- ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45]، وإنما لم تثقل عليهم؛ لأنهم عارفون بما يحصل لهم فيها، متوقِّعون ما ادخر من ثوابها؛ فتهُون عليهم؛ ولذلك قيل: من عرَف ما يطلب هان عليه ما يبذل، ومن أيقَن بالخلف جاد بالعطية. [الألوسي].
التوجيهات:
١- اتِّبَاعُ تعاليم الدِّين يحصُلُ به الأمن وانشراح الصدر، وَيُبْعِدُ الخوف والضيق في الدنيا والآخرة، ﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38].
٢- لا تجعل هدفك من حفظ كتاب الله وفهمه تحصيلَ شيءٍ من متاع الحياة الدنيا، ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [البقرة: 41].
٣- بالصبر والصلاة تتيسر الحياة، ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45].
العمل بالآيات:
١- ذكِّر اليوم من حولك بنعم الله عليكم، ووجوب شكرها حتى تدوم، ﴿ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ﴾ [البقرة: 40].
٢- احرِص اليوم على التبكير لصلاة الجماعة، وذكِّر غيرك بفضلها، وأكثِر من تعظيم الله في الركوع، ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43].
٣- حدد فعلًا خاطئًا تغلبك نفسُك عليه أحيانًا، وحذِّر منه غيرك؛ لعل ذلك يثير فيك الحياء من الله؛ فتتركه أبدًا، ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44].
معاني الكلمات:
﴿ فَارْهَبُونِ ﴾: فَخَافُونِ.
﴿ وَلَا تَلْبِسُوا ﴾: لَا تَخْلِطُوا.
﴿ يَظُنُّونَ ﴾: هُنَا بِمَعْنَى يُوقِنُونَ.
﴿ عَدْلٌ ﴾: عِوَضٌ وَفِدَاءٌ.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|