حديث: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار
عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشِّغار، والشغار أن يزوِّج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق؛ متفق عليه، واتفقا من وجه آخر على أن تفسير الشغار من كلام نافع.
المفردات:
الشِّغار؛ أي: عن نكاح الشغار، وأصل الشغار يدور على معنى الرفع وعلى معنى الخلو، فمن الأول قولهم: شغر الكلب إذا رفع رجله ليَبُول.
ومن الثاني قولهم: شغر البلد إذا خلا، والناس يقولون: وظيفة شاغرة؛ أي: خالية ممن يشغلها، والمراد هنا أن يزوج الرجل موليته للآخر على أن يزوِّجه الآخر موليته، وليس بينهما صداق، كما جاء في تفسيره عن نافع رحمه الله، والمناسبة بين المعنى اللُّغوي والمعنى الاصطلاحي ظاهرة، لما في المعنى الاصطلاحي من خُلُوِّ الزواج عن المهر وجعل البضع بدلًا منه.
والشغار إلخ: بيَّنت الرواية الأخرى المتفَق عليها أن هذا التفسير من كلام نافع.
واتفقا من وجه آخر؛ أي: واتفق البخاري ومسلم في إخراج الرواية الأخرى التي تنصُّ على أن تفسير الشغار في الحديث، هو مِن كلام نافع، وليس من كلام ابن عمر ولا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرواية الأخرى هذه من طريق عبيدالله بن عمر عن نافع.
البحث:
أخرج البخاري حديث الباب من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما في كتاب النكاح، وأخرجه في كتاب ترك الحيل من صحيحه، فقال: حدثنا مسدد، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيدالله قال: حدثني نافع عن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشِّغار، قلت لنافع: ما الشغار؟ قال: ينكح ابنة الرجل وينكحه ابنته بغير صداق، وينكح أخت الرجل وينكحه أخته بغير صداق؛ اهـ.
وأخرج مسلم حديث الباب من طريق مالك، عن نافع، عن ابن عمر، ثم قال: وحدثني زهير بن حرب ومحمد بن المثنى وعبيدالله بن سعيد، قالوا: حدثنا يحيى عن عبيدالله، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله، غير أن في حديث عبيدالله قال: قلت لنافع: ما الشغار؟ وهذه الرواية المتفق عليها من طريق عبيدالله يعني ابن عمر عن نافع تنصُّ على أن تفسير الشغار في الحديث هو من كلام نافع، وليس من كلام ابن عمر ولا من الحديث المرفوع، وأكثر الرواة لهذا الحديث لم ينسبوا التفسير لأحد، قال الحافظ في الفتح: ولهذا قال الشافعي فيما حكاه البيهقي في المعرفة: لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن ابن عمر، أو عن نافع، أو عن مالك، ونسبه محرز بن عون وغيره لمالك، قال الخطيب: تفسير الشغار ليس مِن كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو قول مالك وصل بالمتن المرفوع، وقد بيَّن ذلك ابن مهدي والقعنبي ومحرز بن عون، ثم ساقه كذلك عنهم، ورواية محرز بن عون عند الإسماعيلي والدارقطني في "الموطآت"، وأخرجه الدارقطني أيضًا من طريق خالد بن مخلد، عن مالك قال: سمِعتُ أن الشغار أن يزوج الرجل...، إلخ، وهذا دالٌّ على أن التفسير من منقول مالك لا من مقوله؛ اهـ.
وقد أخرج مسلم هذا الحديث أيضًا من طريق ابن نمير وأبي أسامة، عن عبيدالله، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، زاد ابن نمير: والشغار أن يقول الرجل للرجل: زوِّجني ابنتك وأزوجك ابنتي، أو زوجني أختك وأزوجك أختي، قال القرطبي: تفسير الشغار صحيح موافق لما ذكره أهل اللغة؛ فإن كان مرفوعًا فهو المقصود، وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضًا؛ لأنه أعلم بالمقال، وأقعد بالحال؛ اهـ.
قال ابن عبدالبر: أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز؛ اهـ.
ولا شك أن هذا النوع من النكاح فيه فسادٌ كبير، ففيه افتيات على النساء وتضييع لحقوقهن في الصداق، وجعلهن كالسلع المتبادلة، مع ما جرب من سرعة انهيار هذا النوع من النكاح، والإسلام مِن أهم مقاصده رفع الضَّيم عن عباد الله من الرجال والنساء وإشعار الناس بأن المرأة إنسان لها ما للإنسان وعليها ما على الإنسان، على حد قوله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 228].
ما يفيده الحديث:
1- تحريم نكاح الشغار.
2- لا يجوز لولي المرأة أن يضيع حقوقَها.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|